أولاً: يجب أن يكون هذا العدوان مصدر تفاؤل ورجاء لا يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ومنها:
أ/ عدالة القضية: فالثبات على الموقف العادل نصر بذاته، والجندي المسلم يقاتل عن دينه وأهله من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن
أمريكا تسرعت في الاتهام، وبادرت إلى العدوان قبل تقديم الأدلة، وقد صرح بذلك كثير من حلفائها. بل من عقلائها المنصفين. وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين ((
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً))[الكهف:59].
ب/ البغي والغرور اللذان اتصف بها العدو، مستكبراً بقوته، متناسياً قدرة الله عليه، مثلما أخبر الله تعالى عن عاد الأولى: ((
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً))[فصلت:15].
فلو أن لزعمائه أدنى ذرة من ضمير لما أستأسدوا على شعب محاصر منكوب أكثره أطفال وأرامل يعانون الجوع والتشرد والبرد والمرض.
كنا نتوقع أن يستقيل بعض وزرائهم أو قادتهم بسبب هذا، ولكن تبين أنهم سواء في التجرد من الإنسانية والعدل، وقد عاقبهم الله بأن جعلوا أنفسهم في أصعب موقف، فإن الانتصار على مثل هذا الشعب هزيمة، أما الهزيمة على يديه فهي فضيحة الدهر.
ج/ توحد الرأي العام الإسلامي بصورة لا نظير لها ضد العدوان، وهذا مكسب كبير، إذ هو الخطوة الأولى لجمع كلمة الأمة ووحدة صفها، وقليلة هي الأزمات التي توحدها، وشيء يوحد المسلمين يستوجب الشكر وإن كرهناه.
د/ كشف المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الدرهم والدينار والوظيفة والجاه عند الخلق: وهذا خير عظيم، كما حدث يوم
أحد ويوم الأحزاب؛ وما بقي إلا معالجة السماعين لهم من العوام، قال تعالى: ((
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ))[آل عمران:179].
هـ/ اتعاظ كثير من الدول المجاورة بما جرى في الأزمات السابقة، ورفضها أو تحفظها في المشاركة هذه المرة، وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير.
و/ وضوح السبيل ونمو الوعي، وذلك من خلال إجماع العامة على الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين، وإدراكهم لمخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة ((
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ))[الأنفال:42] وقد أدرك العدو ذلك فأخذ زعماؤه يعتذرون وهم كارهون عن فلتات ألسنتهم بما يضمرون.
ز/ افتضاح العدو وظهور زيف شعاراته عن الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... إلخ؛ حتى في تعامله مع مواطنيه من المسلمين، فالآن ((
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ))[آل عمران:118].
ح/ إيقاف زحف العولمة -ولو إلى حين- وهذه فرصة لالتقاط النفَس والاستعداد لمواجهتها بخطط مدروسة وبرامج محكمة، وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين الدول الإسلامية فتكون خطوة، ثم تعقبها خطوات بإذن الله.
ط/ تجفيف منابع الفساد ومن أهمها السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين، وإن أصابت بعض الصالحين سينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أوكار الفساد ومباءات الفجور هناك. فالسعوديون وحدهم أنفقوا سنة 1420 هـ ما بلغ مائة وعشرين ألف مليون ريال!!
ي/ إحياء بعض المعالم الشرعية المندرسة مثل فقه "دار الكفر" و"دار الإسلام" والراية، والملاحم مع أهل الكتاب، والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع المطهر.
ك/ ظهور فتاوى محررة - جماعية وفردية - في أكثر بلاد المسلمين، واهتمام الغرب بهذه الفتاوى، وإقبال الناس عليها مما يؤصل مرجعية أهل العلم في أمور الأمة.
ل/ الإقبال غير المتوقع على الإسلام في
أمريكا، وقد سمعنا وقرأنا الكثير من الشواهد على ذلك؛ حتى أصبح في حكم المتواتر، وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيظ للمنافقين المخذولين الذين شمتوا بالمسلمين العاملين في حقل الدعوة هناك بل اسْتَعْدَوا عليهم الكفار.
م/ نجاح فكرة الربط بين الحادث وبين القضية الكبرى للمسلمين- قضية
فلسطين- واقتناع كثير من الناس داخل
أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة، ويسند جهاد المسلمين لليهود.